كانت عقارب الساعة تُشير إلى تبقي دقيقتين فقط على نهاية الوقت الرسمي من مباراة الحرية والناصر في إفتتاح مباريات الجولة الخامسة في بطولة دوري الدرجة الثانية المحلي في جوبا لهذا الموسم عندما ترك د. جوزيف ماندي، رئيس نادي الحرية، موقعه في المقصورة الرئيسية في ملعب بلك وغادر الملعب قبل نهاية اللقاء.
تلك كانت المرة الأولى على الإطلاق التي يغادر فيها ماندي الملعب قبل إنتهاء مباراة لفريقه منذ بداية الموسم في جميع المسابقات، ما أثار الكثير من الجدل، الشكوك، والتساؤلات التي دفعته للقيام بتلك الخطوة.
لماذا نحن هنا؟
خليط غريب من المشاعر ما بين الدهشة والذهول والغضب والإبتسامة كان واضحاً على وجه ماندي لحظة مغادرته الملعب، إلا أن ما أعقب نهاية المباراة من ردة فعل غريبة ونادرة للغاية من قبل بعض اللاعبين والجماهير تجاه حكم اللقاء إعتراضاً وإحتجاجاً على قراراته وطريقة إدارته للمواجهة كان كافياً لإستنتاج الأسباب التي دفعت رئيس النادي لترك موقعه في المقصورة الرئيسية مبكراً.
الأحداث التي شهدتها قمة مباريات الجولة الخامسة في دوري الدرجة الثانية بين الحرية والناصر كانت كافية تماماً لإثارة الكثير من الجدل، الشكوك، والتساؤلات حول قرارات حكم اللقاء بعدما أشهر خمس بطاقات حمراء!
الواقع أن عدد البطاقات الملونة التي شهدتها المواجهة كان كافياً لجعلها تصبح واحدة من أكثر المباريات التي شهدت إخراج هذا العدد الكبير من البطاقات منذ بداية الموسم في جميع المسابقات في مختلف أنحاء جنوب السودان.
إذا عرف السبب..
بالطبع، كانت المواجهة لتمر دون أي جدل يُذكر وتصبح مثل بقية المباريات التي لعبها الحرية في جميع المسابقات منذ بداية الموسم، إلا أن طرد ثلاثة لاعبين من الفريق رفع من وتيرة شكوى الكثيرون في الفريق من أداء التحكيم في مبارياتهم هذا الموسم، خصوصاً مع تراكم الأحداث.
فقط، يكفي الإشارة إلى أن تلك كانت أحدث مواجهة تشهد جدلاً تحكيمياً وشكوى من قبل الكثيرون في فريق الحرية هذا الموسم بعد مباريات مماثلة على غرار المواجهات أمام جاموس في الدور الأول في بطولة كأس جنوب السودان المحلي في جوبا، قومبا في الجولة الأولى في بطولة دوري الدرجة، بلاك إيغل في الجولة الثانية، والنيل في الجولة الرابعة.
لماذا؟
بالنسبة إلى الكثيرون في الحرية، فإن هناك الكثير من الحالات التحكيمية المثيرة للجدل من وجهة نظرهم التي دفعتهم للشكوى من أداء الحكام في مبارياتهم في مختلف المسابقات هذا الموسم، خصوصاً مع تراكم وحدوث كل هذا في فترة قصيرة فقط على إنطلاق الموسم.
بطريقةً أو بأخرى، ربما يمكن التشكيك والجدال حول جدوى وصحة شكوى الحرية من عدمها بسبب عدم مرور وقتٍ طويل على إنطلاقة هذا الموسم في وقتٍ يتزامن فيه كل ذلك مع تراجع نتائج الفريق في آخر جولتين، إلا أن المعطيات الماثلة تشير إلى أن هناك ما يدعو للتوقف عنده من أجل التوصل إلى إستنتاج من كل ذلك.
الواقع أنه بإستثناء مباراة الحرية ونياكورين، فإنه ليست هناك مباراة للفريق لم تشهد جدلاً تحكيمياً في جميع المسابقات هذا الموسم، إذ كانت بقية المباريات شاهدة على إحدى الحالات بدايةً بالمواجهة أمام جاموس في الكأس، قومبا، بلاك إيغل، النيل، والناصر في الدوري.
بالنسبة إلى مباراة جاموس، فإنها كانت شاهدة على حالة أثارت الكثير من الجدل، أثناء وبعد، المباراة لدرجة أن شارلس جون «مورينيو»، المدير الفني لفريق الحرية، إنتقد أداء التحكيم في تصريحات لوسائل الإعلام وأكد أحقيتهم بالحصول على ركلة جزاء في المباراة.
تلك الحالة حدثت حينما إنفرد سابرايس أموس، نجم فريق الحرية، ودخل بالكرة إلى منطقة الجزاء قبل أن يخرج مايكل ماركو، حارس مرمى جاموس، من المرمى ويقوم بعرقلته ليقوم حكم اللقاء بإحتساب مخالفة لصالح جاموس.
وجاءت مباراة بلاك إيغل لتشهد جدلاً جديداً بعدما قام أحد لاعبي بلاك إيغل بالإعتداء على لاعب فريق الحرية عبدو بدون كرة أثناء محاولته أخذ كرة كان قد إحتسبها حكم اللقاء رمية تماس لفريقه قبل أن يقوم بتغيير قراره ويحتسبها لصالح بلاك إيغل ليقوم عبدو بالتمويه له بقدمه وهي الحالة التي شاهدها الحكم وقام على إثرها بإشهار البطاقة الحمراء في وجهه.
وكانت الحالة الأغرب إطلاقاً قد حدثت في مباراة الحرية وقومبا بعدما سجل أحد لاعبي الأخير هدفاً من ركلة جزاء إلا أن حكم اللقاء قام بإلغاؤه وإحتسب ضربة مرمى لصالح الأول بدعوى دخول أحد لاعبي قومبا إلى أرض الملعب قبل تنفيذ الركلة.
وأثارت الحالة الثالثة جدلاً كبيراً للغاية بعدما قام حكم اللقاء بإحتساب هدفاً لصالح الحرية في مرمى النيل قبل أن يقوم بإلغاؤه بعد تدخل من المساعد الثاني.
وكان لاعب فريق الحرية صابر قد لعب رمية تماس طويلة نحو المرمى وحاول أحد مدافعي النيل إبعادها إلا أن الحارس طالبه بتركها له ليحاول الأخير الإمساك بها إلا أنها ضربت في الأرض ودخلت إلى المرمى في وقتٍ إحتج فيه لاعبو الحرية على عدم إحتسابه بسبب لمس الحارس للكرة.
أما مباراة الناصر، فإنها كانت الأكثر إثارةً للجدل مقارنةً ببقية المباريات بعدما قام حكم اللقاء بطرد ثلاثة لاعبين من الفريق في وقتٍ أثارت فيه حالة طرد لاعب فريق الناصر سيرجيو والحرية لومورو جدلاً كبيراً للغاية بسبب أن قرار حكم اللقاء جاء بناءً على حالة شاهدها المساعد الأول، بالإضافة إلى حالة طرد دانييل تاب بعد حصوله على البطاقة الصفراء الثانية والتي إحتج عليها لاعبو الحرية ومطالبتهم للحكم بالإكتفاء بالإنذار الشفهي بسبب أن تدخله لم يكن عنيفاً.
سواء كانت إدعاءات وشكوى الحرية من أداء التحكيم صحيحة ومبررة أم لا، إلا انه يمكن التأكيد على أن تلك المباريات كانت شاهدة على حالات مثيرة للجدل تحكيمياً.
سؤال المليون دولار
بالطبع، يصعب حقاً الإجابة بشكلٍ حاسم وقاطع على إذا ما كانت تلك الشكوى مبررة تماماً إستناداً إلى تلك الحالات، إلا أن ما يمكن التأكيد عليه أن تلك المباريات كانت قد شهدت العديد من الحالات التحكيمية المثيرة للجدل.
تلك النقطة، بالتحديد، تقود للتساؤل إذا ما كانت الروزنامة المزدحمة والضاغطة بالمباريات في مختلف المسابقات هذا الموسم قد تسببت في تقليل التركيز الذهني وأثرت سلباً على أداء الحكام في ظل عدم حصولهم على وقتٍ كافٍ من أجل إلتقاط الأنفاس، خصوصاً مع إدارة الكثيرون منهم لأكثر من ثلاثة مباريات في الأسبوع الواحد.
مع ذلك، فإنه يبدو مؤكداً بأن شكوى الحرية من تراجع الأداء التحكيمي لها ما يبررها بالنظر إلى هذا التاريخ الحافل بالحالات التحكيمية المثيرة للجدل من وجهة نظر الكثيرون في النادي، إلا أنه يصعب حقاً معرفة إذا ما كانت تلك الشكوى ستستمر أم ستتوقف بالنظر إلى الظروف الإستثنائية التي إنطلق بها هذا الموسم.