هل كانت تلك مصادفة، أن يتزامن موعد إقامة إياب نهائي بطولة كأس الإتحاد الأفريقي لكرة القدم «الكونفدرالية»، مع المواجهة بين فريقي المريخ بانتيو والسلام أويل في المرحلة الثانية في بطولة دوري جنوب السودان الوطني؟
الإجابة ربما تكون نعم. وربما لا.
لكن، القاسم المشترك بين الحدثين هو الفوضى التي شهدتها مراسم تتويج الزمالك باللقب وأحداث الشغب الجماهيري التي شهدتها المواجهة بين فريقي المريخ والسلام والطريقة التي تم التعاطي والتعامل بها مع الأزمة في الحالتين.
****
بالنسبة إلى الأولى، فقد سارع الإتحاد الأفريقي لكرة القدم «الكاف» على إصدار بيانٍ بعد نهاية المباراة بساعات يدين فيه سوء سلوك الجماهير أثناء وبعد المباراة والفوضى التي حدثت، يعرب عن إستياؤه من الفوضى التي حدثت، يصف تلك الأحداث بغير المقبولة، ويفتح تحقيقاً يحيل فيه ما حدث إلى الهيئات المعنية من أجل إتخاذ الإجراءات التأديبية بخصوص أي طرف شارك فيها.
بالطبع، الكاف لم يكتفي بكل ذلك، بل ذهب لما هو أبعد منه من خلال التأكيد على سعيه للتشديد الأمني بشكل كبير في إياب نهائي دوري أبطال أفريقيا لتفادي تكرار هذا الأمر.
كل هذا، لمجرد أنه قد حدثت بعض أحداث الفوضى التي ضربت مراسم التتويج باللقب من خلال منع وصول باتريس موتسيبي، رئيس الإتحاد الأفريقي لكرة القدم، من النزول إلى أرضية إستاد القاهرة لبضعة دقائق من أجل تسليم الكأس، دفع إحدى المضيفات التي كانت تحمل كأس البطولة، فشل مجموعة من الجماهير التي تحمل التذاكر في الدخول إلى المدرجات، فشل مجموعة من الإعلاميين من الوصول إلى المقصورة المخصصة لهم، تواجد العشرات من الأشخاص غير المصرح لهم بالتواجد في المنصة المخصصة المخصصة لعملية المراسم، وتواجد ابن شيكابالا، قائد فريق الزمالك المصري، في الصورة الرسمية لتسليم الكأس.
بعد كل ذلك، يأتي دور لجان المسابقات والإنضباط والأمن والسلامة لمناقشة التقارير من أجل إتخاذ القرارات والتدابير اللازمة.
****
أما الثانية، فقد إكتفت فيها اللجنة المنظمة للمسابقات بإتحاد جنوب السودان لكرة القدم، في إجتماعها الطاريء، بإدانة جماهير السلام أويل بإنتهاك القواعد واللوائح وفقاً للمادة 78 من القواعد العامة لإتحاد جنوب السودان لكرة القدم لعام 2012 تعديل 2019، إعتباره خاسراً 2-0، حرمانه من نصيبه ونسبته من دخل المباراة، وتحذيره وفقاً للمادة 50 (ج) [1] من الإجراءات التأديبية الجزء الثاني من القواعد العامة لإتحاد جنوب السودان لكرة القدم لعام 2012 تعديل 2019.
فقط، هذا ما إكتفت به اللجنة رغم الأحداث الكارثية والأزمة الكبيرة التي شهدتها المواجهة من أحداث شغب جماهيري، إصابة الحكم المساعد الثاني، إنهاء المباراة قبل موعدها الرسمي بـ 12 دقيقة، دخول الجماهير إلى أرضية الملعب، حدوث إطلاق نار في الهواء، وإحتمالية إصابة بعض الجماهير.
****
بالطبع، لست هنا من أجل عقد مقارنة بين الطريقة التي تعاطى بها الكاف مع تلك الأزمة واللجنة المنظمة هنا مع أزمة أكبر.
لكن، إذا ما كان هناك من ينظر إلى هذه الخطوة على أنها كذلك، فليكن. بإختصار، الطريقة التي تعاملت بها اللجنة مع أحداث الشغب كانت مخيبة للآمال تماماً وتعتبر بمثابة محاولة جديدة للهروب إلى الأمام والإلتفاف على الأزمات على غرار ما إعتادت عليه في معظم الحالات المشابهة.
هل كانت القرارات مفاجئة؟ حتماً لا.
ما الجديد الذي فعلته وقدمته اللجنة من خلال إصدار مثل هذه القرارات؟ لا شيء يُذكر إطلاقاً، فأحداث الشغب الجماهيري لم تبدأ في مباراة المريخ بانتيو والسلام أويل، كما أنها ليست المرة الأولى التي تصدر فيها قرارات، لا تقدم ولا تؤخر في شيء، ولا تتعاطى وتتعامل مع الأزمة بشكل موضوعي وواقعي وجاد.
فقط، حالة واحدة إمتلكت فيها اللجنة الشجاعة وتحلت بالجدية، وللمصادفة، كانت في حادثة أقل تطرفاً، شهدها إستاد واو في بطولة الدوري الوطني – أيضاً – في الموسم الماضي، بعدما قررت إيقاف بافينج ألياب كويث، المدير الفني لفريق السلام واو، عن ممارسة النشاط الرياضي لمدة عام واحد بسبب محاولته الإعتداء على الحكم المساعد الأول بالضرب واللفظ وإظهاره سلوكاً غير رياضياً في مباراة فريقه ضد زعلان رومبيك.
كالعادة، العقوبة لم تتوقف عند ذلك فحسب، بل تم تحذيره نهائياً من عدم تكرار الأمر مجدداً!
***
كل هذا، لا بد من أنه يقود للسؤال عن ما كانت تفعله وتفكر فيه اللجنة عندما حدثت أزمات كارثية أكبر وأكثر خطورةً من حادثة بافينج بكثير؟.
لا شيء. لا شيء إطلاقاً، إذ كانت تكتفي دائماً بعقوبات صورية ونمطية لا تقدم ولا تؤخر في شيء، وإلا علينا الإجابة عن أسئلة أخرى أكثر إلحاحاً وأهميةً؟
ماذا فعلت في أحداث الشغب الجماهيري التي شهدتها مباراة السلام أويل والمريخ جوبا في الكأس الوطني في الموسم الماضي؟
ماذا فعلت في أحداث الشغب الجماهيري التي شهدتها مباراة السلام واو والسلام بور في الدوري الوطني في الموسم الماضي؟
ماذا فعلت بخصوص الفوضى التي تسبب فيها الحكام في بطولتي الكأس والدوري الوطني في الموسم الماضي؟
ماذا فعلت بخصوص أحداث الشغب الجماهيري التي شهدها نهائي الكأس الوطني بين فريقي جاموس جوبا والمريخ بانتيو هذا الموسم؟
ماذا فعلت؟
ماذا فعلت؟
.. إلخ.
****
الواقع أن الطريقة التي تعاملت بها اللجنة مع أحداث الشغب الجماهيري والفوضى التي شهدتها مباراة المريخ بانتيو والسلام أويل لا يمكن وصفها سوى بالمخيبة للآمال والبعيدة تماماً عن الواقع، محاولة هروب جديدة إلى الأمام من أجل الإلتفاف على الأزمة.
أقل شيء كانت تستطيع فعله هو إصدار بيان أولي بخصوص الحادثة تعلن فيه عن إدانتها ومثل هذا السلوك الجماهيري المرفوض، تطمن فيه الوسط الرياضي على سلامة الجماهير، تكشف فيه عن سعيها لفتح تحقيقاً موسعاً في الحادثة، تحذر من مغبة تكرار مثل هذا السلوك المؤسف، وتوقف فيه الجدل والإتهامات التي كانت متبادلة في مواقع التواصل الإجتماعي.
ثم، بعد كل ذلك، تجتمع وتتخذ قراراتها التي تراها مناسبة.
بعد كل ذلك، يأتي الإعلان عن التدابير اللازمة التي توصلت إليها بخصوص البطولة فيما يتعلق بإستمرارها بجماهير أو بدونه أو بشكل جزئي، الإجراءات التي اتخذتها من أجل تفادي تكرار مثل هذه الأحداث المؤسفة، والآليات المطلوبة والتي ستتخذها من أجل توعية الجماهير، وغيره.
لكن، لأنها إعتادت على إتباع سياسة الهروب إلى الأمام والإلتفاف على الأزمات، كان طبيعي ألا تكلف نفسها عناء القيام بكل ذلك، تتجاوز كل شيء كأن هذه الظاهرة طبيعية وتحدث للمرة الأولى في الملاعب في جنوب السودان.
****
بإختصار، مثل هذه القرارات العبثية تترك الباب مفتوحاً أمام الجماهير من أجل تكرار مثل هذه الحادثة والإستمرار في هذه الممارسة والسلوك المرفوض وهو ما ينذر بحدوث كارثة في يوماً من الأيام، ما يعني بأن الأزمة قد تتفاقم، بطريقةً أو بأخرى، وهو شيء لا يرغب فيه أحد.
والآن، بما أنه قد ثبت تماماً بأن اللجنة غير قادرة على إتخاذ قرارات صارمة ورادعة تساهم في وضع حداً لهذه الظاهرة المتكررة، خصوصاً مع إستمرار حدوثها في مختلف الملاعب في معظم أنحاء جنوب السودان، فإنني أرى بأن الوضع قد أصبح يتطلب تدخل مباشر من مجلس إدارة إتحاد جنوب السودان لكرة القدم، بطريقةً أو بأخرى، من أجل إيجاد حلول ناجعة لهذه الأزمة المتفشية.
هذا، حتى لا يضطر المشجع العادي للتفكير مرتين قبل حضور مباراة في المستقبل خوفاً من حدوث أعمال شغب جماهيري هو في غنى عنها.
وإلا، على كرة القدم السلام في جنوب السودان.