مرحلة الهواية وعصر الهواة انتهت وتبدلت بمرحلة أخرى، أصبحت فيها كرة القدم مهنة، ووظيفة، ومجالاً خصباً، لمن يرغب من نجومها في أن يصبح هو أمير المال.
ففي واقع اليوم، لا في واقع الأمس القريب، لم يعد للاعب الهاوي مكاناً، فالمكان اليوم في العالم أجمع بات لمن إمتلك هذا المحترف الذي يأكل، ويشرب، ويتنفس بكرة القدم، منذ أن ينام وإلى أن يصحو غدا.
في الماضي كان لاعب الكرة يعمل صباحاً، ولا يتمرن إلا في بعض الأحيان ويكمل أجندته اليومية بمباراة رسمية عصراً، ولا يهتم بعد كل ذلك، لا بمدرب يطور موهبته، ولا بإداري يعطيه مبلغ من المال يسير به أموره هذا اليوم، ولا بعقود من نادٍ آخر يحسن وضعه، بقدر ما يهتم فقط برغبة يريد إشباعها. بهذه المجنونة التي اتفق العالم على حبها.
في الماضي. لم يكن اللاعب متفرغاً لكنه وفق معطيات الأرقام، كان منتجاً ومحبا لكرة القدم فقط.
التاريخ سيشهد على أننا ذات مرة تمسكنا بالحلم وتأهل الناشئين إلى الجزائر، وبلغنا القاهرة عبر بوابة الشباب من الخرطوم أيضاً، وحققنا أول انجاز افريقي للبلاد من خلال لاعبين هواة مارسوا الكرة، فأبدعوا وتألقوا وقدموا بالمستوى ما أجزم أنه الأفضل من هذا الذي لا نزال نتعايش معه في عصر الإحتراف.
فهل المال هو السبب في انحدار اللاعب الجنوبي؟ أم أن السبب يكمن في انعدام الثقافة الصحيحة بمعطيات هذا النظام الاحترافي الذي لم نطبقه بعد؟ أم أن الخلل كل الخلل ماثل في الآليات التي تختص بالأندية؟.
قضية شائكة بمثل هذا الحجم، يجب أن نفتح ملفها لا أن نجعلها حبيسة الأدراج، أو نرمي بها على رفوف التجاهل.
لماذا تسيّدنا افريقيا في زمن الإحتراف ونحن مازلنا في زمن الهواية؟ و هل سنتراجع عن تلك السيادة في زمن الاحتراف قريباً؟
أعتقد من وجهة نظري أن هنالك خللاً ما، إما في طريقة التعامل مع المتغيرات التي جلبها لنا الزمن سريعاً؟ وإما في منح الفرصة لمن لا يستحق أن يعمل داخل المجال الرياضي، كرة القدم، تحديداً أو داخل أسوار الأندية ؟
بأقل الإمكانيات المالية نجحت المنتخبات السنية في إنجاز أكثر من رائع بعد تأهل الناشئين إلى بطولة كأس الأمم الأفريقية في الجزائر، والشباب في مصر، وكل هذا النجاح اقتصر على زمن الهواية، مع العلم أن الإفتراض الصحيح: أن تكون الهواية بداية والإحتراف نهاية لتحقيق مثل تلك الإنجازات وأكثر.
ما حدث لمنتخباتنا السنية قبل فترة ومتى ما تحققت القراءات من مواضع الخلل، فمن الممكن أن يصبح لنا في القريب العاجل موقع مرموق في قائمة من يرفعون الإنجازات القارية، أما العكس وأعني به التجاهل والقفز على ما يحدث اليوم فلن يضيف لنا ولرياضة كرة القدم بالتحديد سوى المزيد من المعاناة.
اللاعب الجنوبي، حالياً، برغم أنه موهوب، إلا أنه يركز جل تركيزه في تلك الجوانب المتعلقة بالمال، ولا يهتم بعد ذلك لا لمن يلعب ولا لأيّ شعارٍ ينتمي له، فالمهم بالنسبة له إشباع رغبته المادية، أولاً وأخيراً، ما أوجد الكثر من أوجه القصور في مهمته، وفي علاقته بكرة القدم، حيث غابت ثقافة التعامل الصحيح وتلاشت، وبالتالي، بات الأقرب للإخفاق وليس العكس.
ختاماً الإحتراف ثقافة لكن هذه الثقافة لا تزال غائبة عن اللاعب الجنوبي، ولأنها كذلك غائبة، فمن الطبيعي أن تبقى النتائج المتعلقة بحضوره في المنتخب دون التوقعات لا فوقها.
أتمنى ان يقوم الإتحاد العام لكرة القدم في البلاد بتطبيق نظام الإحتراف، يعني بالدارجي (كدا نظموا الدوري الممتاز وألزموا الأندية بأن يجعلوا عقودات اللاعبين عقد إحتراف) برغم قلة إمكانياتهم المادية المعروفة للكل.
في اعتقادي، أربعة مباريات لكي نتأهل إلى مونديال الشباب في اندونيسا ليس صعباً في ظل وجود تلك المواهب التي يمتلكها منتخبنا الشاب، فقط ثقوا فيهم واسرعوا في اعدادهم جيداً ولن تندموا.
نعم الوضع الإقتصادي في الدولة في غاية الصعوبة، لذا واجب علينا ان نطرق أبواب رجال المال والأعمال الوطنية لكي يدعموا المنتخبات في هذا الوقت الذي يجب ان نخدم فيه الوطن، ان كنا فعلاً وطنيين.
تقبلوا مني فائق الشكر والتقدير لكم جميعاً دون استثناء.
فهذا الوطن يهمنا أمره جمعيا.