ملوال دينق
انطلقت في العاشر من شهر مايو الحالي، منافسات بطولة الدوري العام لكرة القدم في جنوب السودان لعام 2023، التي تشارك فيها أبطال الدوريات المحلية، واستضافت مدينة واو مباريات المجموعة الأولى، بينما استضافت العاصمة جوبا مباريات المجموعتين الثانية والثالثة، وتأهلت فرق؛ السلام واو، المريخ بانتيو والسلام بور، إلى مرحلتها النهائية، بعد تصدرها لمجموعاتها، وستلعب كل مباريات هذه المرحلة في جوبا بنظام الذهاب والإياب وسيفوز الأكثر جمعاً للنقاط بلقب البطولة.
وبعيدًا عن التعليق على المستوى الفني للبطولة، والتي حالت ظروفنا الخاصة – حتى الآن – دون حضور مبارياتها في الملعب، وإن كنت اتابعها عبر الوسائط، تأسفنا لغياب عدد من الفرق من ممثلي الاتحادات المنتسبة لأسباب مختلفة، حيث انطلقت البطولة بعدد (10) فريقاً فقط يمثلون (10) اتحاداً محلياً منضوية تحت مظلة الاتحاد العام.
ويأتي على رأس الفرق الغائبة من هذه النسخة، ممثل اتحاد جوبا، بسبب عدم إكتمال الموسم الكروي، إثر نشوب الخلافات بين مجلس إدارة الإتحاد العام ومجلس إدارة اتحاد جوبا حول تفاصيل تتعلق باستاد جوبا (إستغلال المساحة الشرقية خلف الاستاد في عمل بعض مستلزمات الصيانة الجارية، وكيفية إدارة الاستاد بعد اكتماله)، والذي حدا بالمجلس المحلي، بدعم من إدارات أغلبية الأندية، على تعليق كل الأنشطة الكروية لديه، بعد فشل الأطراف في حل الأزمة ودياً، فيما أصدر الاتحاد العام من جانبه، في خطوة تصعيدية، قراراً بتعليق عمل المجلس المحلي بجوبا، وبعدها توالت التطورات وتابع الجميع على مدار الأشهر الماضية حالة الشد والجذب بين الطرفين، وما تبعها من تدخل وزارة الثقافة والشباب والرياضة بولاية الاستوائية الوسطى وكتلة الأندية بالإتحاد المحلي، ثم الجمعية العمومية الطارئة للاتحاد المحلي على الخط، إلا أن الجميع لم ينجح، حتى الآن، في إيجاد حلول نهائية للأزمة.
أيا كانت حجم التعقيدات حول قضية (استاد جوبا)، وشخصياً لا أرى بأن التعقيدات فوق قدرة المسؤولين، إذا تصافت النفوس ووضعت المصلحة العامة أولاً، بخاصة أن القضية في حد ذاتها تعد شأن عام يهم جميع الرياضيين، وليس معركة فاصلة بين الاتحاد العام واتحاد جوبا، وهذا ما جعل الحادبين على المصلحة العامة – وكاتب هذا المقال منهم – يناشدون الأطراف بأن يفكروا أيضًا في مصلحة النشاط الرياضي في العاصمة، قبل أي اعتبارات أخرى، والبحث عن مسارات بديلة لإيجاد الحلول، تجنب الجميع من الاستمرار دون نشاط رياضي، لأنه بلا شك سيترتب عليه أضرار وخسائر كبيرة في عدة نواحي، وقد بدأ ملامح ما نقول تطل في الأفق الآن، وأدناه رصد لبعض الأمثلة حول حجم الأضرار:
*أولاً؛ يضم الاتحاد المحلي بجوبا عدداً كبيراً من الأندية يتجاوز ال(60)، وهذه الأندية تملك في كشوفاتها عشرات اللاعبين، إلى جانب الأجهزة الفنية والأفراد ذات الصلة، وهؤلاء جميعاً سيتضررون مباشرة من توقف النشاط سواء على المستوى الرياضي أو الوظيفي، علماً أن الكثير منهم يعتمدون على كرة القدم كمصدر دخل لتغطية متطلبات الحياة، ولكم أن تتخيلوا كم منهم تضرروا من قرار تجميد النشاط الرياضي.
*ثانياً، إذا استمر تجميد النشاط الرياضي في جوبا، فإن المنتخبات الوطنية السنية ستتضرر كذلك، سيما أنها تعتمد بشكل كبير على اللاعبين الذين ينشطون في فرق العاصمة.
*ثالثاً؛ من شأن إستمرار الخلافات بين الاتحاد العام واتحاد جوبا، أن تزيد من تعكير صفو الساحة الرياضية، وتعميق الانقسام، وبالتالي خلق بيئة غير صحية لممارسة النشاط الرياضي.
*رابعاً؛ استمرار توقف النشاط الرياضي، سيؤدي إلى هجر بعض اللاعبين لكرة القدم، واستغلال طاقاتهم الكبيرة في أنشطة أخرى بعضها قد تكون سلبية، وبالتالي يكون القادة الرياضيين قد ساهموا في زيادة الظواهر السالبة في المجتمع.
هذه بعض الأمثلة للإضرار المترتبة على إستمرار توقف النشاط الرياضي في جوبا، وبالتأكيد هناك أضرار أخرى، ونتمنى أن يكون الإداريين في الاتحاد العام والاتحاد المحلي، الذين يفترضُ انهم يعرفون كل هذه المآلات والتداعيات، أن يضطلعوا بمسؤوليتهم الكاملة ويعملوا سوياً على حل الأزمة في أقرب وقت.
إن واحدة من معضلات الوسط الرياضي في جنوب السودان، التي تلعب دوراً في تعميق هوة الخلافات، هي حالة الاصطفاف (مع أو ضد) الذي يحدث عند وقوع أي أزمة رياضية وفي المسائل المهمة، بالإضافة إلى التشدد في المواقف والفجور في الخصومة، بعيداً عن الروح الرياضية التي تدعو لها مجتمعات الرياضيين حول العالم، ووسط هذا المناخ العدائي دائماً ما تكون أولى الضحايا، هم الأصوات المتزنة والمحايدة والموضوعية، التي تنادي بالحوار البناء كآلية لحل المشكلات وتعلي المصلحة العامة فوق المصالح الخاصة، فأنت هنا مطالب بأن تكون (مع) هذه المجموعة أو (ضد) تلك المجموعة، أي لا مكان للاعتدال، وإلا ستهزمك الأغلبية (الهائجة) بمنطق القوة وليس قوة المنطق، وخير مثال لما نقول، هو ما شاهدناه أبان انتخابات الاتحاد العام الماضية، يوم انقسم الوسط الرياضي على نفسه بين أنصار الإدارة السابقة، وأنصار المتنافسين الجدد، والتي وصلت حد الملاسنات والمخاشنات على وسائط التواصل الاجتماعي، بينما خفت صوت الموضوعية، أو (It has been muted)، التي كان يتطلبها الموقف بعد أن اثر الكثيرين ممن رفضوا النهج (الاصطفافي) للانتخابات – بمعناه السلبي – الإبتعاد أو الإكتفاء بالتفرج، وبالتالي فوت الجميع على أنفسهم فرصة نقد وتقييم وتقويم التجربة السابقة وطرح تصورات وبرامج ورؤى جديدة للمستقبل، إلا إذا أعتبر البعض أن المشاريع الانتخابية الموسمية التي تطرح ولا تنفذ، هي تذاكر النجاح للمستقبل.
هذا المناخ الانتخابي الملبد بخيوم الإنقسام الرياضي، وربما غير الرياضي، كان لابد أن تشكل ملامح الفترة التالية، وكان لابد أن يتسبب عاجلاً أم أجلاً، ولو من باب غياب التوافق، وفي ظل عدم تجاوز المرارات، إلى إندلاع أزمة استاد جوبا، التي أصابت النشاط الرياضي في مقتل.
ولنا أن نتسأل هنا، بعد أن أصبحت الأزمة حقيقة معاشة، لماذا اقحم اتحاد جوبا موضوع (تجميد الأنشطة الكروية) في قضيته مع الاتحاد العام؟ ألا يمكن إيجاد حلول بعيدة عن هذه الخطوة؟ أم أراد أن يستخدم ذلك ككرت ضغط؟ ولماذا دعمت إدارات أغلب الأندية هذه الخطوة؟ بدلاً عن تقريب وجهات النظر؟ هل استصحبوا معهم الأضرار المترتبة على تجميد النشاط الرياضي في العاصمة تجاه أصحاب المصلحة الآخرين من اللاعبين والمدربين والحكام والجمهور وغيرهم؟ ومن المسؤول عن هذه الأضرار؟
في المقابل؛ لماذا اختارت الاتحاد العام تصعيد الخلاف عبر تعليق عمل مجلس إدارة الإتحاد المحلي؟ اليس هنالك آليات أخرى لحل الخلاف بخاصة أن الاتحاد العام هو المسؤول الأول عن كل الاتحادات المحلية والفرعية؟ وهل يرى قادة الاتحاد العام أنه من الحكمة أن تستمر النشاط في جميع أنحاء البلاد بينما تخلو العاصمة من أي نشاط كروي رسمي، حتى وإن لم يكن قرار تجميد النشاط صادراً منه، سيما أن اتحاد جوبا يعتبر (أم الاتحادات) بحكم العراقة والوزن الرياضي ووجوده في العاصمة واستضافته لأنشطة الاتحاد العام نفسه.
لماذا لا تبحث الأطراف المختلفة، عن حل توافقي للقضية، بعيداً عن الإصطفاف (مع أو ضد) للخروج من هذا النفق المظلم الذي سيقودنا نحو المجهول.
من ضمن المهارات الأساسية، التي يجب أن يتمتع بها الإداريين الذين يشرفون على أي نشاط عام مرتبط بالجمهور، هي القدرة على إدارة الأزمة وإقتراح الحلول، ومراعاة المصلحة العامة في كل القرارات التي تصدر منهم، وكذلك الابتعاد عن شخصنة القضايا العامة، وعدم تبني القرارات الانفعالية التي يمكن أن تعقد الأمور وتقطع الطريق أمام أي أفق للتسوية، ونزعم أن هذه البديهيات، لا يمكن أن تحجبها غبار الخلافات، عن فطنة الإداريين في الاتحاد العام واتحاد جوبا المحلي.
ختاماً، نجدد دعوتنا للمسؤولين في الاتحاد العام واتحاد جوبا (المجلس المحلي المعلق/اللجنة التسييرية) وأي أطراف أخرى ذي صلة بقضية استاد جوبا، بالتسامى فوق الخلافات، والجلوس إلى طاولة الحوار بغية إيجاد حلول مرضية ومنصفة ومتوافق عليها، وبطبيعة الحال تقديم بعض التنازلات من قبل الأطراف، حتى لو تطلب الأمر استقالة الأفراد المتشددين الذين يعيقون جهود التوصل إلى الحلول، وافساح المجال للشخصيات الأخرى غير المشاركة في القضية بشكل مباشر، حتى يتم إنقاذ النشاط الرياضي ويعود الحياة إلى الملاعب في العاصمة القومية.