كان، يوم أمس، إستثنائياً للغاية بالنسبة إلى الجميع في الوسط الرياضي بعدما فتح إتحاد جنوب السودان لكرة القدم باب الترشيحات من أجل إستلام طلبات التقديم لتولي منصب المدير الفني لمنتخب جنوب السودان.
هذا الحدث لم يكن عادياً بسبب أنها تعتبر المرة الأولى التي يعلن فيها الإتحاد عن فتح باب التقديم لقبول الترشيحات.
لماذا نحن هنا؟
الإتحاد إكتفى بالإعلان حاجته لتعيين مدرب ذي خبرة وقدرات لقيادة المنتخب إلى آفاق جديدة، فتح الباب أمام المدربين الوطنيين وغير الوطنيين، بالإضافة إلى خطاب يوضح بالتفصيل تجربتهم ذات الصلة وفلسفتهم التدريبية.
مع ذلك، فإنه رغم ضيق الوقت والفترة التي حددها الإتحاد لقبول ما بين يومي 2 و6 أكتوبر، فإنه ثمة بعض التفاصيل التي سيكون على مجلس إدارة الإتحاد، لجنة المنتخبات الوطنية، لجنة التدريب المركزية، واللجنة الفنية المكلفة بدراسة السير الذاتية للمتقدمين وضعها في الإعتبار قبل إختيار القائمة المختصرة من المدربين وثم إختيار المدرب الذي سيتم التعاقد معه كمدير فني جديد للمنتخب.
الواقع أن الإتحاد سيكون عليه إستصحاب تجارب جميع المدربين الذين تعاقبوا على مهمة تدريب المنتخب منذ تأسيسه والعمل على الإستفادة من تلك التجارب والأخطاء والوقوف عليها بشكلٍ جيد من أجل نقل المنتخب إلى المستوى التالي.
المشروع الذي سيعمل عليه الجميع
بالطبع، هذا الأمر ينبغي أن يكون بمثابة حجر الأساس الذي سيعمل عليه مجلس إدارة الإتحاد في تحديد هوية المدرب الجديد، خصوصاً أن التجارب السابقة أثبتت فشلها بشكل ذريع وبنسب متفاوتة.
لذا، فإن أي محاولة متسرعة لإختيار المدرب الجديد دون أن يكون الإتحاد قد وضع تصوراته المسبقة لما يريده من المدرب الجديد ووجود مشروع حقيقي ورؤية واضحة للفترة المقبلة الصعبة التي سيخوض فيها المنتخب غمار التصفيات الأفريقية المؤهلة للمشاركة في بطولة كأس العالم لعام 2026 سيكون مصيرها الفشل لاحقاً.
الإتحاد ينبغي أن تكون لديه خطة ومشروع واضح وبأهداف محددة حتى يساعد ذلك في عملية إختيار المدرب الجديد، بالإضافة إلى ضرورة دراسة السير الذاتية للمتقدمين بشكل جيد والتأني فيها من أجل تفادي أي إخفاق جديد محتمل.
وضعية المنتخب الراهنة وبدايته لحقبة جديدة بعد رحيل الإيطالي ستيفانو كوزين تحتم على الإتحاد أخذ الحيطة والحذر وتفادي إرتكاب أي أخطاء جديدة قد يدفع المنتخب ثمنها غالياً ما يتطلب بالتالي وجود رؤية ومشروع واضح.
السيرة الذاتية لا تهم حقاً
يبدو هذا الأمر شائكاً بأكمله بسبب أنه قد تعاقب على منصب المدير الفني لمنتخب جنوب السودان العديد من المدربين في فترات مختلفة للغاية في وقتٍ لم يكن فيه واضحاً إطلاقاً الأسباب التي أدت إلى إختيارهم وإسناد المهمة إليهم دون سواهم!
ربما، بإستثناء كوزين لم يكن هناك مدرباً آخر تم إختياره لتولي منصب المدير الفني بناءً على سيرته الذاتية، إذ كانت العشوائية والفوضى واضحة تماماً في عملية الإختيار ولم يتم إستصحاب التجارب السابقة للمدرب الذي يتم إختياره.
بعبارةً أو بأخرى، تشير الوقائع والتجارب السابقة إلى أن السيرة الذاتية لم تلعب يوماً دوراً محورياً ورئيسياً في عملية إختيار المدرب في وقتٍ تشير فيه عملية إختيار سيدي محمد كروان والتعاقد معه لتولي منصب المدير الفني لمنتخب جنوب السودان للسيدات إلى ذلك، إذ كانت هناك أسباب أخرى أدت إلى إختياره بشكل أكبر مقارنةً بسيرته الذاتية.
لذا، فإن تركيز الإتحاد ينبغي أن ينصب على أشياء أخرى أكبر وأكثر أهميةً بدلاً من الإكتفاء بدراسة السيرة الذاتية وإعتبارها المقياس النهائي والأخير في تحديد المدير الفني المقبل للمنتخب.
المدرسة التدريبية ليست مهمة
مجدداً، يمكن الخروج من جميع التجارب السابقة بإستنتاج يتمثل في حقيقة أنه ليست هناك رؤية واضحة للغاية بخصوص المدرسة التدريبية الأنسب والإتجاه الذي يتوجب على المنتخب السير فيه!
نوعية المدرسة التدريبية التي يأتي منها المدرب لم تلعب دوراً كبيراً إطلاقاً في تحديد هويته من قبل وهو ما يقود للتساؤل إذا ما كان الوضع سيتغير وستلعب المدرسة دوراً في إختيار المدير الفني الجديد للمنتخب.
فقط، يكفي الإشارة إلى أنه قد تعاقب على منصب المدير الفني للمنتخب مدربين من جنسيات مختلفة على غرار الصربية، اليوغندي، الكنغولية، الجزائرية – الألمانية، الكورية، الكاميرونية – الألمانية، والإيطالية!
بالطبع، ليس واضحاً إذا ما كان الإتحاد سيأخذ هذا الأمر في الإعتبار ويفضل الإتجاه إلى مدرسة تدريبية معينة، إلا أن جميع التجارب أثبتت بأن هذا الأمر لم يكن مقياساً يوماً ما ولم يتم التركيز عليه كثيراً في عملية الإختيار وهو شيء ينبغي التعامل معه بحكمة وذكاء.
الواقعية
هذا الأمر يعتبر واحداً من أكثر الأشياء التي أثارت الكثير من الجدل، الشكوك، والتساؤلات وظل بدون إجابة قاطعة طوال السنوات الماضية بخصوص الهوية والأسلوب والفلسفة التدريبية التي ينبغي أن يركز عليها المدير الفني للمنتخب.
الواقع أنه لم يعرف للمنتخب نهج وفلسفة وهوية معينة وواضحة منذ تأسيسه بسبب أنه قد ظل بمثابة حقلاً للفوضى والتجارب العشوائية دون أن يكون واضحاً ما يتطلع إليه قادة الإتحاد وما يريدونه من المدرب الذي إختاروه للمنتخب!
هذا الأمر عانى منه المنتخب كثيراً ودفع ثمنه غالياً بسبب تنوع وإختلاف المدارس التدريبية للمدربين الذين تعاقبوا على تدريبه وغياب الإستقرار وعدم التعلم من الأخطاء ما أدى، بالتالي، إلى عدم الإستفادة من الفترات التي إمتلك فيها المنتخب عناصر مميزة للغاية من اللاعبين الذين كانوا قادرين على تحقيق شيء ما!
بإستثناء الكاميروني – الألماني اشو سيبريان بيسونغ الذي كانت فلسفته التدريبية واضحة للغاية وإتبع نهج صارم معتمداً فيه على الواقعية، التأقلم على الوضع، إستخدام الأدوات والإمكانيات المتاحة لديه بأفضل شكل ممكن وتحقيق أقصى فائدة ممكنة منها، إيمان وإقتناع الجميع بأفكاره وفلسفته بإعتبار أنها الأنسب للمنتخب في تلك الفترة، نجاحه في قيادة المنتخب إلى المستوى التالي، وتغيير المنتخب من ناحية الأداء والنتائج، فإنه ليس هناك مدرب آخر كان واضحاً للجميع ما يتطلع إليه!
بالنسبة إلى البقية، فقد أخفقوا تماماً بشكل كبير وذريع بسبب عدم قدرتهم على التعامل مع الوضع والمعطيات والأدوات والإمكانيات الموجودة تحت تصرفهم بحكمة وذكاء، إدراك أن الطريق الذي يسيرون فيه لا يتناسب مع ما يعملون عليه من أفكار، أنهم بعيدين تماماً عن المنتخب، ولا تتوفر أرضية صلبة لتطبيق ما يرغبون فيه من أفكار وأساليب وخطط على أرض الواقع.
هؤلاء جميعاً كانوا يسيرون في مسار مختلف تماماً ومغتربين عن واقع المنتخب الذي كان أمامهم ولم يكن الأمر يحتاج إلى حكيم وفيلسوف ليعترف ويدرك بأن النتيجة الحتمية لكل ذلك هي الفشل الذريع ما لم يقوموا بالتراجع عن تلك الأفكار والتعامل مع الأمر بواضعية وقد كانت النتيجة الحتمية لذلك في النهاية هي الفشل والرحيل!
لذا، فإنه سيكون على الإتحاد وضع هذا الأمر في إعتباره وإختيار مدرب واقعي قادر على التأقلم مع الواقع والعمل على إيجاد طريقةً لتحقيق أقصى فائدة ممكنة وقيادة المنتخب إلى آفاق جديدة بناءً على ما هو متاح أمامه من إمكانيات وأدوات وليس العمل على إختيار حالم آخر يسير على خطى من سبقوه!
سؤال المليون دولار
هنا، يبرز التحدي والسؤال الأكثر إلحاحاً وأهميةً والذي سيتوجب على الإتحاد وضعه في الإعتبار قبل إختيار المدرب الجديد: ما هو مشروعه؟ ما هي أفكاره والتصور الذي وضعه بخصوص المنتخب وإذا ما كان سيعمل لمواصلة العمل الذي كان قد بدأه كوزين ومن ثم إجراء تعديلات وتغييرات عليه بشكل تدريجي أم سيقوم بثورة ويهدم كل شيء ويبدأ من جديد؟!
هذا الأمر يعتبر مربط الفرس وينبغي أن يكون على رأس قائمة الأسئلة التي سيتم توجيهها لجميع المدربين الذين سيقع عليهم الإختيار في القائمة النهائية المختصرة قبل إختيار المدرب الجديد بسبب ان وضعية المنتخب الراهنة لا تتحمل أي ثورة جديدة في ظل قرب موعد التصفيات الأفريقية المؤهلة إلى مونديال 2026.
هذا يضاف إليه حقيقة أن أي خطوة أخرى غير البناء على ما بدأه كوزين وإدخال تحسينات عليه بشكل تدريجي سيعيدنا خطوات إلى الوراء مجدداً وسيحتاج المدرب الجديد إلى الكثير من الوقت من أجل إعادة البناء وتجريب أفكاره وفلسفته والتوصل إلى الشكل النهائي الذي سيكون عليه المنتخب تحت قيادته وحينها، ربما، يكون عقده قد إنتهى بالفعل!
لذا، فإن مجلس إدارة الإتحاد يحتاج إلى الإجابة عن هذا السؤال أولاً، تحديد ما يرغب فيه في الفترة المقبلة وما ينتظره من المدرب الجديد، والتوصل إلى رؤية شاملة بسبب أن الإجابة حينها ستكون واضحة تماماً لمعرفة إذا ما كان يحتاج إلى مدرب يكون إمتداداً للمشروع الذي كان قد بدأه الإيطالي أم آخر يبدأ من الصفر وبمشروع جديد.