كان لافتاً للغاية حجم الإحتفاء الذي تم به إستقبال خبر الإعلان عن ترفيع حكام جدد ونيلهم الشارة الدولية في شهر يناير الماضي، إذ قام الإتحاد العام بتنظيم مؤتمر صحفي من أجل الإحتفاء بالحدث التاريخي وتسليم الحكام شاراتهم الدولية في وقتٍ كان ينظر فيه الكثيرون إلى هذه الخطوة على أنها ستسهم في تحسن مستوى الحكام وتقلل من حجم الأخطاء التي تحدث في المباريات في البطولات القومية الكبرى.
لكن، ما حدث، يوم السبت، من خلال الأداء المخزي والكارثي والمتواضع والمخيب للآمال الذي ظهر به الحكام الدوليين، خصوصاً حكم الوسط سلمون أوكيري في مباراة السلام أويل والمريخ جوبا في إياب الدور نصف النهائي من بطولة كأس جنوب السودان العام، كان كافياً لإثارة الكثير من الجدل والتساؤلات والشكوك والغموض حول الطريقة والكيفية التي حدث بها ذلك.
إعتدنا على السؤال بإندهاش بخصوص سبب عدم توفر الروح الرياضية لدى اللاعبين والمدربين والإداريين والجماهير وعدم إحترامهم لقرارات الحكام والأسباب التي تدفعهم للإحتجاج على تلك القرارات والإعتداء على الحكام والتعامل معهم بسوء، ومن ثم تصدر القرارات الرادعة في حق هؤلاء لا لشيء سوى لأنهم قد قاموا بالإحتجاج أو التعبير عن رفضهم لتلك القرارات!
نفعل كل ذلك، دون أن نكلف أنفسنا عناء السؤال عن حصول هؤلاء الحكام على التأهيل اللازم والمطلوب ومدى جاهزيتهم لإدارة المباريات في أعلى مستوى تنافسي ممكن؟!
لم يكن هناك أحداً كلف نفسه يوماً ما بالسؤال حول الأسباب التي تدفع هؤلاء للإعتداء على الحكام؟!
ربما، الخطأ في الحكام أنفسهم!
ربما، في عدم حصولهم على التأهيل اللازم!
أقول، ربما.
لكنني، لا أدافع هنا عن الإداريين أو المدربين أو اللاعبين أو حتى الجماهير أو أقوم بتبرير تصرفاتهم تلك، فأنا ضد أي خطوة يقوم بها أي طرف رياضي ضد الطرف الآخر بسبب إرتكابه أي خطأ كان.
ببساطة، لأنني لا أتسامح، مطلقاً، مع مسألة مقابلة الخطأ بالخطأ، فطالما هناك لوائح وقوانين وضوابط تدير النشاط الرياضي وتنظمه، فينبغي لنا ترك الجهات المسؤولة بالقيام بدورها.
مع ذلك، فإن الواقع يشير إلى أن أداء الحكام في هذه البطولة كانت عليه الكثير من علامات الإستفهام وكان دون مستوى التوقعات تماماً وأثار الكثير من التساؤلات، إلا أن الأداء ظل مقبولاً بإعتبار أن ما كان يحدث كانت أخطاء قليلة واردة الحدوث من قبل الحكام وبرر لهم الكثيرون ذلك الأداء.
لكن، الشكل الذي أدار به طاقم التحكيم مباراة المريخ والسلام لم يكن يحتمل تماماً وكان فاضح للغاية ويتعدى مجرد إرتكاب الأخطاء، إذ يمكن إعتبار هذا أسوأ أداء لحكم في بطولةً ما ولا يمكن أن تحدث كوارث أكثر من ما شاهده الحضور إطلاقاً.
لا نتحدث عن مجرد أخطاء شهدتها المباراة، بل عن مباراة كاملة كانت فيها قرارات الحكم أوكيري كارثية ولا تحتمل ولم يكن موفقاً في 90% من قراراته.
نتحدث عن حكم خرج اللقاء عن سيطرته تماماً منذ وقت مبكر ولم يكن قادراً على إستعادة سيطرته على اللقاء.
حكم تسبب في إفساد اللقاء وحوله من مباراة في كرة قدم إلى مصارعة حرة أو أي شيء من أنواع الفنون القتالية المختلطة.
لعب دوراً كبيراً بقراراته في إثارة جماهير السلام ويتحمل النصيب الأكبر من الشغب الذي شهده اللقاء ومحاولاتها المستمرة من أجل الدخول إلى أرضية الملعب.
حكم ظهر ضعيف الشخصية وغير قادر على إتخاذ قرارات صحيحة والتعامل مع أحداث الشغب التي شهدها اللقاء من قبل لاعبي السلام، خصوصاً في الشوط الثاني.
حكم قام بإشهار بطاقة حمراء واحدة فقط فوق أرضية الملعب وأخرى لأحد أفراد الجهاز الفني في المريخ في وقتٍ كان ينبغي فيه أن يقوم بإشهار أربعة أو خمس بطاقات حمراء على الأقل إذا ما نظرنا إلى حجم العدوانية والإندفاع البدني الكبير الذي لعب به لاعبو السلام وإعتدائهم المستمر على لاعبي المريخ دون أن يكون قادراً على إحتساب مخالفات ضدهم أو إتخاذ قرارات صارمة من خلال إحتساب المخالفات وإشهار البطاقات الملونة.
كل هذا مع عدم تناسي حقيقة انه قد تحامل كثيراً على لاعبو الفريقين، خصوصاً المريخ وقام بإشهار العديد من البطاقات الصفراء دون أي إستحقاق، فقط بسبب الخوف والجبن!
لكن، كيف لشخص يعمل في مهنة يعرف أضرارها ومخاطرها جيداً أن يستمر في العمل فيها؟ كيف يستمر في العمل إذا ما كان يخاف الإعتداء عليه رغم وجود الأمن من أجل حمايته؟
الواقع أن أوكيري لم يترك شيئاً للحكام المبتدئين من الأخطاء من أجل إرتكابها وإيجاد تبريرات لها من خلال القول بأنهم مبتدئين، فإذا كان هو بإعتباره حكم دولي يرتكب كوارث تحكيمية مثل هذه؟! فماذا ترك لغيره من بقية الحكام المبتدئين والقوميين من أخطاء؟!
أداء كارثي مثل هذا لا بد أن يقود للسؤال حول الكيفية التي أصبح بها أوكيري حكماً دولياً؟
بالطبع، هذا لا يعفي من تحميل لجنة التحكيم المركزية كامل المسؤولية، ليس مسؤولية أن يصبح شخص بهذا الأداء حكماً دولياً فحسب، بل بخصوص دورهم في تأهيل وتطوير الحكام قبل ترشيحهم لنيل الشارة الدولية؟!
الحقيقة أن هناك الكثير من الأسئلة التي تحتاج لجنة التحكيم للإجابة عنها.
لكن، قبل كل ذلك، ينتظر منهم مراجعة أداء الحكام بصورة عامة، خصوصاً الدوليين بسبب الأداء المخزي والكارثي الذي ظهروا به في هذه البطولة، إذ كانوا أكثر الحكام إرتكاباً للأخطاء وظهوراً بمستوى كارثي وليس متواضع أو مخيب للآمال فحسب.
ما هو أهم من كل ذلك بكثير، أن عدم إتخاذ أي إجراء تأديبي في حق أوكيري وبقية الحكام الذين ظهروا بمستويات كارثية في هذه البطولة من خلال إستبعادهم من بقية المباريات في البطولة وإيقافهم أو التحقيق معهم سيكون شيئاً كارثياً للغاية وسيكون بمثابة تشجيع لهم من أجل الإستمرار في إرتكاب المزيد من الكوارث وسيؤكد الشكوك والتساؤلات التي تدور حول أداء الحكام والآلية التي يتم ترشيحهم وفقاً لها للشارة الدولية.
لجنة التحكيم المركزية كانت قد قامت بخطوة مشابهة في إحدى البطولات القومية في عام 2018 من خلال إستبعاد أحد الحكام لإرتكابه أخطاء في إحدى المباريات.
واليوم، ننتظر منها ما هو أكثر من ذلك بكثير، فالإستبعاد لن يكون كافياً بالنظر إلى حجم الكارثة التي شهدتها مباراة المريخ والسلام، بل ينبغي أن تكون هناك تأديبية ليكون عبرة لبقية الحكام.
هذه ستكون أفضل خطوة تقوم بها لجنة التحكيم المركزية للأندية التي تشارك في البطولات القومية وإبعاد الشكوك المثارة حول أداء الحكام والغموض.
هذه الخطوة ستكون بمثابة إعتراف بحدوث الأخطاء وعدم ظهور الحكام بأداء جيد.